تجويع السوريين بالورقة والقلم 

2021.11.04 | 06:02 دمشق

178524.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ الإعلان عن مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2022، قبل أكثر من أسبوعين، بمبلغ أكثر من 13 تريليون ليرة سورية، بدا واضحا أن النظام يعد العدة لرفع أسعار حوامل الطاقة وذلك بناء على بند الدعم المخصص للمحروقات في الموازنة والبالغ 2700 مليار ليرة، أي ما يعادل 770 مليون دولار، وفقا لسعر صرف الليرة في السوق السوداء والبالغ نحو 3500 ليرة مقابل الدولار. 

المتأمل في المبلغ السابق، يجد أنه بالكاد يكفي لتغطية نفقات استيراد شهرين أو ثلاثة من النفط، على اعتبار أن النظام يحتاج شهريا إلى استيراد أكثر من ثلاثة ملايين برميل نفط، بقيمة 83 دولارا للبرميل، أي ما قيمته 250 مليون دولار شهريا، ناهيك عن الغاز والفيول وغيرها من حوامل الطاقة، والتي لا يوجد أي بيانات رسمية حول أرقام استيرادها.

الدليل الآخر على أن النظام كان يخطط لرفع الدعم عن المحروقات، هو ما أعلنه وزير المالية، كنان ياغي من أن العجز في الموازنة المقبلة يبلغ أكثر من 4 تريليونات ليرة، مقدما تصورات وهمية وغير قابلة للتصديق عن تغطية هذا العجز، تارة من خلال المخزون من المصرف المركزي وتارة أخرى من خلال إصدار سندات خزينة، وثالثة عبر زيادة حصة الدولة من التجارة الخارجية، بينما الطريق الأسهل الذي سلكه النظام على الفور، وبعد بضعة أيام من إصدار مشروع الموازنة، كان من خلال رفع سعر المازوت الصناعي من 650 ليرة إلى 1700 ليرة، وبعدها بيوم رفع سعر الغاز خارج البطاقة الذكية، للمنزلي بقيمة 30600 ليرة للأسطوانة، وللصناعي بقيمة 49000 ليرة، وأخيرا الحديث عن نيته رفع أسعار الكهرباء بنسبة تتراوح بين 20 ـ 50 بالمئة.

اللافت في عملية رفع الأسعار السابقة، أنها تخص الصناعيين والتجار ورؤوس الأموال بالدرجة الأولى، وبما يوحي بأن النظام لم يرفع السعر على ذوي الدخل المحدود.. أما على أرض الواقع فإن رفع الأسعار تم على المنتجين للسلع، والذين سيقومون حكما بتحميل هذه الزيادة على الأسعار، لترتفع بدورها على المواطن العادي.

اللافت في عملية رفع الأسعار السابقة، أنها تخص الصناعيين والتجار ورؤوس الأموال بالدرجة الأولى، وبما يوحي بأن النظام لم يرفع السعر على ذوي الدخل المحدود 

أكثر التوقعات تفاؤلا، تؤكد بأن زيادة أسعار المازوت والغاز والكهرباء، على الفعاليات الاقتصادية، سوف تؤدي إلى رفع أسعار السلع المرتبطة بها، بين 10 إلى 20 بالمئة، هذا في حال حافظت الليرة السورية على مستوى سعر صرفها طوال العام المقبل، بينما مبلغ الموازنة بحد ذاته، البالغ 13325 مليار ليرة، يشير إلى احتمال هبوط سعر الصرف إلى مستويات كبيرة، خصوصا عند مقارنة هذا الرقم بموازنة العام 2021، البالغة 8.5 تريليونات ليرة سورية، والتي أدت إلى هبوط سعر الصرف من 2200 ليرة مقابل الدولار مطلع العام الجاري، إلى نحو 3500 ليرة في الفترة الراهنة. 

بلغة أكثر بساطة، هناك فارق بين موازنة العام الجاري وموازنة العام المقبل، يصل إلى نحو 5 تريليونات ليرة، وهي تقريبا تعادل مبلغ العجز الذي أعلن عنه وزير المالية بقيمة 4112 مليار ليرة.. بمعنى أن هذه الزيادة متأتية من العجز وليس من وفورات الموازنة السابقة، أو غير قادمة من مصادر خارجية، كالتجارة والاستثمار، وبالتالي فإن النظام أمام احتمالين، إما أنه سيطبع أموالا جديدة لتمويل هذا العجز، أو أنه سيعمد لرفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة.. وفي كلا الحالتين، سوف يؤدي ذلك إلى التأثير على سعر الصرف ودفعه لمزيد من الانخفاض، لا سيما وأن العالم خلال الفترة الراهنة يعيش فترة انتعاش اقتصادي، أدت إلى رفع أسعار النفط العالمية خلال بضعة أشهر، من 40 دولارا للبرميل إلى أكثر من 83 دولارا حاليا، بينما التوقعات تشير إلى أن السعر قد يصل إلى نحو 100 دولار للبرميل، مطلع العام المقبل.

النظام أمام احتمالين، إما أنه سيطبع أموالا جديدة لتمويل هذا العجز، أو أنه سيعمد لرفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة

باختصار، من يقرأ أرقام مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المقبل، سوف يدرك بأن النظام يحضر السوريين لسنة صعبة وقاسية، قد لا يجدون فيها ما يأكلونه، بما في ذلك الخبز، الذي تشير العديد من المصادر الرسمية بأن هناك دراسة لرفع سعر الربطة من 200 ليرة إلى 500 ليرة مطلع العام المقبل.. بالإضافة إلى ذلك، هناك توقعات بهبوط سعر صرف الليرة مقابل الدولار إلى 5 آلاف ليرة، الأمر الذي سيضغط كثيرا على معيشة السوريين، ويدفعهم هذه المرة ليس إلى الهجرة من البلد فحسب، وإنما الهجرة من ثيابهم.